لا شك أنَّ الانتخابات هي أهم أدوات تكريس الديمقراطية، وأبرز آلياتها في بناء الشرعية السياسية للنخب الحاكمة في المجتمع، وتتباين نتاجات الانتخابات بفعل عوامل عدة في مقدمتها القوانين الناظمة للعملية الانتخابية، والحالة السياسية والاقتصادية السائدة، والفلسفة الاجتماعية للأفراد والجماعات، إضافة إلى الحضور الحزبي الفاعل. غير أنه في جميع الحالات تلعب الانتخابات دوراً محورياً في تحديد طبيعة النخب الاجتماعية والسياسية في المجتمع، وهذا يدفع للتعرف على الميكانيزمات المتحكمة في الانتخابات هنا محلياً.
في الغالب يصوت الناخب الأردني في القوائم المحلية لمرشحي العشيرة أو الامتداد المناطقي دون الالتفات إلى البرامج الإنتخابية للمرشحين أو الاتجاهات السياسية لهم، ويغلب هذا السلوك الإنتخابي على المحافظات والبوادي، في حين يصوت الناخبون في دوائر العاصمة لأشخاص ذوي حضور اجتماعي مؤثر، أو مرشحين قادرين على حشد أكبر عدد من الأصوات في دوائر لا تكون نسبة الاقتراع فيها عالية، وتنتج هذه الممارسات الانتخابية إعادة تدوير لذات الأشخاص، واستدامة حالة برلمانية شبه باهتة.
قانون الإنتخاب الجديد الذي يخصص (41) مقعداً للأحزاب يتم الاقتراع عليها من خلال قوائم انتخابية يدفع الناخب الأردني نحو الإنعتاق من الاطر التقليدية في الاقتراع نحو إطار البرامج والسياسات التي تعلنها الأحزاب السياسية. والتصويت للقائمة الحزبية دون المرشحين فيها هي خطوة تقدمية تسجل في رصيد الاصلاح السياسي والبرلماني في الأردن، ومن المؤكد أن الأمر يحتاج بعض الوقت حتى يخرج المواطن الأردني من إطار الاقتراع التقليدي نحو الاقتراع المعتمد على البرامج والسياسات، وللأحزاب دور مهم في تسريع هذا التحول من خلال الجدية في بناء القوائم الإنتخابية، ومنطقية الدعاية الانتخابية، والإعلان عن البرامج والسياسات التي تتبناها، إلى جانب عقد لقاءات منتظمة مع المواطنين في كافة المناطق.
علينا أن لا نتسرع في محاكمة الفعل الانتخابي لصالح الأحزاب السياسية الأردنية، بسبب الضبابية التي تحول دون بروز معايير منطقية وإجرائية للحكم لدى المواطنين للتصويت لأي القوائم الإنتخابية، فالشعارات هي ذات الشعارات لدى جميع القوائم، كما تتضمن معظم القوائم شخصيات وطنية في الغالب مارست أدواراً تقليدية سواءً داخل مؤسسة البرلمان أو في العمل العام في مختلف مؤسسات الدولة، إلى جانب مرشحين ضمن هذه القوائم لم يخضعوا لتجربة قابلة للقياس في العمل العام أو العمل الحزبي، وقد ما يكون متاحاً فقط هو منحى الاتجاهات الفكرية لبعض الأحزاب والصبغة السائدة لها سواءً الإسلامية أو الوطنية أو ذات التوجه اليساري، وهذا المنحى في الغالب لا يعني عامة المواطنين، لذلك سيكون الأداء البرلماني في مجالي الرقابة والتشريع وكذلك الأداء الحكومي للأحزاب التي قد يتسنى لها تشكيل حكومة ذات أغلبية برلمانية في البرلمان القادم هو المعيار الأكثر وضوحاً وتوجيهاً لاختيارات الناخبين الأردنيين في دورات انتخابية قادمة، وهذا يعني مزيداً من النضج المامؤل في المشهد السياسي الأردني.
لذلك يشكل التحول نحو الحكومة البرلمانية الذي طالما نادى به جلالة الملك عبدالله الثاني إضافة نوعية مهمة للحياة السياسية في الأردن، ويمنح هذا التحول البرلمان طاقة إضافية للحركة والانسياب في المشهد السياسي، كما أنه عامل مهم في تعديل الفلسفة الاجتماعية والممارسة المعتادة للناخب الأردني في التفاعل مع صندوق الاقتراع، ويدفع للخروج من حالة الكمون في دوائر إجتماعية ضيقة، وهويات فرعية تسببت في غياب أفق وطني جامع.